Translate

السبت، 5 مارس 2022

غاية الشوق لفضل بر الوالدين والعتق تأليف فضيلة الشيخ / محمد صفوت نور الدين - رحمه الله -

 


غاية الشوق لفضل بر الوالدين والعتق


تأليف

فضيلة الشيخ / محمد صفوت نور الدين

- رحمه الله -

مقدمة[1]

الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد، وآله وصحبه، وبعد:

فإنَّ القادر الحكيم - سبحانه - فطَر الخلق على فطرة الإسلام، وأنزَلَ عليهم شرعَه بدين الإسلام، فلا صَلاح للخلق إلا بدِين الإسلام الذي فطَر الله الخلقَ عليه، والذي أتمَّه وأكمَلَه ورَضِيَه لهم دينا.

فالله - سبحانه وتعالى - خلَق آدم من طين، وخلَق منه زوجه حوَّاء، وأمره أن يسكن زوجه معه؛ ﴿يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة: 35]، وجعَل ذلك الأمر عامًّا؛ ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ [الطلاق: 6]، وكما جعَل الله الليل سكنًا؛ ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا [الأنعام: 96]، وجعل البيوت سكنًا؛ ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا [النحل: 80] - فقد جعَل - سبحانه - الأزواج سكنًا؛ ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا [الروم: 21]، وكان ذلك منذ بدء خلق الإنسان؛ ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [الأعراف: 189].

فالأسرة سكن الزوج والزوجة، ومَنشَأ الولد ومَوطِن التربية، فإذا صلحت الأسرة صلحت الأمَّة، وإنَّ الأمَّة التي تُعنَى بالأسرة هي التي تُفلِح في القِيادة والرِّيادة؛ ولذلك كان الشرع الشريف حمايةً للأسرة وعنايةً من كلِّ جانب، فكان البيان لحدود كلٍّ من الزوجين حقوقًا وواجبات، وكان القرآن الكريم توضيحًا لموضع الامتِنان من الله - سبحانه - بالأسرة في بنائها؛ حتى لا يغفل الإنسان عن تلك النِّعمة واليَقِين بمنزلتها من العظَمَة بين سائر النعم.

ثم كانت الأمثلة في القرآن الكريم مضروبة للأسرة في كافَّة أحوالها وجميع أشكالها وفاقًا وخلافًا، ألفةً وشقاقًا، حتى نتعلَّم من تلك الأمثلة المضروبة.

فمثال الأب المهتدي يظلُّ يقول لابنه الشارد: ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا [هود: 42]، ويُوضِّح له الحقَّ ويُزِيل عنه الشبهة، كما ظنَّ ابن نوحٍ أنَّ الجبل يَعصِم فقال: ﴿سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ [هود: 43]، قال أبوه مبيِّنًا وموضِّحًا ومصحِّحًا: ﴿قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ [هود: 43]، ويبقى ذلك حاله حتى يفقده غريقًا أو ينتشله مهتديًا.

ومثال الأب المُهتَدِي يعتَنِي بولده منذ صغره؛ ليعظه ويربِّيه: ﴿يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: 13]، ويستمر في موعظته: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان: 17 - 19].

ومثال الابن المهتدي الذي يلتَقِي مع أبيه الضالِّ فلا هداية، بل يُسارِع بها إلى أبيه: ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا [مريم: 42 - 45]، ولا يمنع الولد المهتَدِي من الاستِمرار في الدعوة الحسنة والموعظة - غِلَظُ أبيه إذا أغلَظ له القول وتوعَّده بالفعل، بل يدعو له ويستَغفِر: ﴿قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا [مريم: 47]، ومع ذلك فإنه لا يشاركهم في باطلهم: ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا [مريم: 48]، ولا يَمنعه من الاستِمرار في الدعاء والاستغفار إلا أن يتبيَّن بالشرع بيانًا يقينيًّا أنه عدوٌّ لله: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ [التوبة: 114].

وهذا ومَن يَقرأ آيات القرآن الحكيم يرى أمثلةً الأسرة متفرِّقة في سُوَر القرآن الكريم، بدءًا من آدم وحواء - عليهما السلام - وانتِهاء إلى زمان نزول القرآن يضرب الأمثلة الواضحة من واقع ما خلَقَه الله في أنبيائه ورسله، بل وغيرهم من خلقه، فبعد مثال نوح - عليه السَّلام - مع ابنه، ولقمان مع ولده، وإبراهيم - عليه السَّلام - مع أبيه آزر، نجد مثال البنوَّة الصالحة للأب الصالح واضحة في إسماعيل مع إبراهيم - عليهما السلام - حيث قال: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات: 100 - 107].

والأمثلة في القرآن مضروبةٌ في شأن الأخوَّة في كافَّة أشكالها، فالأَخَوان الصالحان مثالهما في موسى وهارون - عليهما السلام - فموسى - عليه السَّلام - طلَب من الله النبوَّة والرِّسالة لهارون: ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ [القصص: 34 - 35]، ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي [طه: 29 - 32].

والأخ لا يبخَل على أخيه بالموعظة عند الحاجة إليها: ﴿اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ [الأعراف: 142]، ولكنه لا يُقِرُّه على الخطأ، بل يأخذ على يده حتى يرجع: ﴿قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي * قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي [طه: 92 - 94].

ومثال الإخوة ينزغ بينهم الشيطان، ثم يَرجِعون إلى الصواب ويتوبون، في يوسف - عليه السَّلام - وإخوته يلقونه في الجب، ومع ذلك فإنَّه لا ينسى - بل وهو في سجنه - الخيرَ الذي جاءَه من طريق أهله وآبائه، فيقول: ﴿وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ [يوسف: 38]، ومع ذلك كان يوسف - عليه السَّلام - سريع الصَّفح عنهم: ﴿قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف: 91 - 92].

بل يَأوِيهم من السنوات العِجاف فيقول: ﴿وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ [يوسف: 93].

ومثال الإخوة يقع الحسدُ في قلب أحدهم من غير جريمة من أخيه، فيُفضِي الحسد إلى عداوة تبلغ إلى قتله في ابني آدم: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ [المائدة: 27 - 28]، حتى قال: ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة: 30].

وأمَّا عن الزوج مع زوجته فمثال الزوجين المؤمنين في إبراهيم مع زوجتَيْه سارة وهاجر - عليهما السَّلام - يختبر الله إبراهيم - عليه السَّلام - بزوجه وولده، وهما في الصبر خيرُ مثال، بل يجتَمِع معهم الولد في إسماعيل - عليه السَّلام - فتكون مثال الأسرة الصالحة يسكنها بوادٍ غير ذي زرع، ولما هَمَّ بذبحه امتَثَل إسماعيل - عليه السَّلام - لأمر الله - سبحانه - وهذه سارة الزوجة الأولى تطول عشرتها بغير ولد، وهي تحبُّ الإيمان وتسعَد به، فتُعِين إبراهيم - عليه السَّلام - في دعوته ولما جاءت الملائكة وعرفت أنهم جاؤوا لنصرة لوط ضحكت استبشارًا بنصر الله لعباده المؤمنين.

وأمثلة الزوجة الكافرة التي لا ينفَعها إيمان زوجها، ولو كان نبيًّا مرسلاً: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ [التحريم: 10].

ومثال الزوجين الكافرين يَتعاونان على الباطل يظهر في قوله - تعالى -: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [المسد: 1 - 5].

ومثالُ الزوجة المؤمِنة مع الرجل الذي عَتَا في الكفر امرأةُ فرعون: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [التحريم: 11].

وكذلك يتحدَّث القرآن الكريم عن الحمل بعيسى ويحيى وإسحاق - عليهم السَّلام - وعن الرضاع والتربية لموسى وإسماعيل - عليها السَّلام - ويتحدَّث عن الأمومة في امرأة عمران، تنذر ما في بطنها لله محرَّرًا، وفي أم موسى يربط الله على قلبها ويُوحِي إليها.

فاقرَأ ما جاء في سورة آل عمران من أوَّل قوله - تعالى -: ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [آل عمران: 35]، حتى قال - سبحانه -: ﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران: 47]، وفي الآيات نذرُ امرأة عمران وولادة مريم، وكفالة زكريا لها، ثم دعاؤه ربه: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران: 38]، واستجابة الله له، وبشارة الملائكة، وتعجُّب زكريا: ﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [آل عمران: 40]، ثم بشارة الملائكة لمريم بعيسى - عليه السَّلام -: ﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ [آل عمران: 47].

واقرأ من سورة مريم من أولها حتى قوله - تعالى -: ﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ [مريم: 34] وفيه البشارةُ بيحيى، ثم ولادة عيسى - عليهما السلام - وقول الله - تعالى - في شأن مريم: ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا [مريم: 22 - 24]، ثم كلام عيسى - عليه السَّلام - في المهد بقوله: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا [مريم: 30].

وفي شأن البشارة بإسحاق بن إبراهيم من سارة، التي طال عمرُها بغير حملٍ ولا ولادةٍ، فاقرأ في سورة هود: ﴿وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ [هود: 71 - 73].

أمَّا عن نشأة موسى - عليه السَّلام - من ميلاده ورضاعه حتى بعثه ونبوَّته فاقرأ سورة القصص من أوَّلها حتى قوله - تعالى -: ﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ [القصص: 40]؛ لترى كيف أنَّ الله قدَّر ولادة موسى في زمانٍ كان فرعون ﴿يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ [القصص: 4]، وأنَّ الله قال: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص: 7]، وقد عرَض القرآن العرض في تفصيلٍ جميل مشبع، وقد أجمل ذلك في سورة طه في قوله - تعالى -: ﴿إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي * إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى [طه: 38 - 40].

وفي إسماعيل - عليه السَّلام - ونشأته يذكُر ربُّنا - سبحانه وتعالى - في سورة إبراهيم - عليه السَّلام -: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ [إبراهيم: 37]، وفي صورة الصافات: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات: 103 - 107].

وبعدُ:

فإنَّ الأمثلة للأسرة في القرآن كثيرةٌ وعظيمة، والمعاني من وراء تلك الأمثلة تحتاج إلى أبحاثٍ طويلة، فعلى المسلم أن يتدبَّر تلك الأمثلة ليأخذ منها العظات والعِبَر، ويستَفِيد منها الإيمان والعمل الصالح، الذي يُرشِّد العمل ويثلج الصدر، ويُذهِب الهمَّ والغمَّ، فمَن الذي أُصِيب في ولده وبنيه كما أصيب إبراهيم ونوح ويعقوب - عليهم السلام؟ ومَن لاقى مِن قومه المشاقَّ كما لاقَى موسى ونوح وإبراهيم - عليهم السلام - ومَن كابَد من المكائد ما كابَد يوسف ويعقوب - عليهما السلام - فكلُّ الأنبياء عانوا من كفر أقوامهم، لكنَّهم كذلك عانوا أصنافًا من المعاندة أو المكايد بل والكفر من داخل البيوت من الأزواج والأبناء، ومع ذلك كانت لهم المواقف الإيمانيَّة الكريمة، ولسنا أحبَّ إلى الله من هؤلاء، ولا دعوتنا أوضَح منهم، ولا لدينا من الإخلاص والتقوى كالتي لديهم، فلنقتَدِ بهم في الحجَّة وبيانها، والدعوى والصبر عليها، والرضا بقضاء الله، والحرص على الصالحات من الأعمال.

والله من وراء القصد وهو حسبي ونعم الوكيل.

بر الوالدين

أخرج مسلم في صحيحه([2]) عن أبي هريرة([3]) - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله : ((لا يجزي ولدٌ والِدَه إلا أن يجده مملوكًا فيشتَرِيه فيُعتِقه)).

في الحديث مسائل عظيمة أهمُّها: عظم حقِّ الوالدين، ومنزلة عتْق الرِّقاب بين القربات من الأعمام.

أمَّا برُّ الوالدين فقد جاءَتْ آيات القرآن دالَّة عليه أبلَغَ الدلالة؛ حيث جعَل الله - سبحانه - الأمرَ بالإحسان للوالدين عقب الأمر بتوحيده والنهي عن الشرك به، وقد تنوَّعت الأساليب القرآنيَّة، وتعدَّدت المواضع في كتاب الله؛ ففي سورة النساء: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [النساء: 36].

وسورة الأنعام: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الأنعام: 151].

أمَّا سورة الإسراء فقد جاءَت الآية الكريمة آمِرَة بالرحمة ولين القول وترك فحشه ولو في أصغر الألفاظ؛ ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء: 23 - 24].

وفي سورة العنكبوت ذكَر - سبحانه - حدود الطاعة؛ ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [العنكبوت: 8].

أمَّا سورة لقمان فخصَّت الأم بعد أن عمَّت الوالدين للحمل والرضاع، وأمَرت بالصحبة بالمعروف حتى عند ترك طاعتهما في معصية الله؛ ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان: 14 - 15].

أمَّا سورة الأحقاف فجمعت في قوله: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف: 15].

أمَّا سورة البقرة فتبيِّن أن برَّ الوالدين كان فريضة على الأمم السابقة ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [البقرة: 83].

فبرُّ الوالدين فرضٌ لازم، بل هو الذي يَلِي توحيد الله في عبادته، ولذا ففي حديث البخاري([4]) عن عبدالله بن مسعود - رضِي الله عنه - قال: سألت النبي : أي العمل أحبُّ إلى الله - عزَّ وجلَّ؟ قال: ((الصلاة على وقتها))، قال: ثم أي؟ قال: ((ثم بر الوالدين))، قال: ثم أي؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله)).

والعبد المؤمن يرى حقَّ الوالدين عليه ليس فقط لأنهما سبب وجوده وتربيته، بل لأنَّ الله أوجب برَّهما والإحسانَ إليهما، وقرَن حقَّهما بحقِّه، ولم يستَثنِ؛ ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا [العنكبوت: 8].

وبرُّ الوالدين يكون بالإحسان لهما بالقول والمال والفعل، ويكون في حياتهما وبعد موتهما، فأمَّا القول: فلين الخطاب، وتخيُّر الطيِّب من الكلمات، وخفض الصوت، وإظهار الأدب والحبِّ في خِطابهما، فضلاً عن ترك الكلمات الجافَّة التي تدلُّ على تأفُّف أو تضجُّر عندهما، وأمَّا المال فبذله عند حاجتهما بطيب نفس وانشِراح صدر، وبذله في الأمور التي يحبُّونها وإظهار الفرح بقبولهما لذلك المال منك، عالِمًا أنهما أصحاب المنَّة عليك في قبوله والانتِفاع به.

وأمَّا الفعل: فقَضاء الحوائج لهما، وتيسير أمورهما، وطاعتهما فيما لا يُخالِف شرع الله - سبحانه - حيث تخدمهما ببدنك قدرَ استطاعتك، وتبذل في قَضاء حوائجهما وسعَك.

هذا في الحياة، أمَّا بعد الموت فالدُّعاء والاستِغفار لهما، وإنفاذ وصيَّتهما، وتنفيذ عهدهما، وصلة رحمهما، وإكرام صديقهما؛ وذلك لحديث مالك بن ربيعة - رضي الله عنه - عند أبي داود([5]) قال: بينما نحن جلوسٌ عند رسول الله إذ جاءَه رجلٌ من بني سليم، فقال: يا رسول الله، هل بقي من برِّ أبويَّ شيءٌ أبرَّهما بعد موتهما؟ فقال: ((نعم؛ الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا تُوصَل إلا بهما، وإكرام صديقهما)).

ذكر طرف من فضل بر الوالدين في السنَّة:

وأمَّا الأحاديث في برِّ الوالدين فكثيرةٌ جدًّا، نذكر منها:

عن ابن عمرو - رضي الله عنهما - قال: جاء رجلٌ إلى نبي الله فاستأذن في الجِهاد، فقال: ((أحيٌّ والِداك؟))، قال: نعم، قال: ((ففيهما فجاهِد))؛ (متفق عيه).

وعنه - رضي الله عنه - جاء رجلٌ إلى رسول الله فقال: جئت أبايعك على الهجرة، وتركت أبواي يبكيان، فقال: ((ارجع إليهما، فأضحكهما كما أبكيتهما))([6]).

وحديث أبي هريرة عند مسلم([7]) قال: قال رسول الله : ((رَغِم أنفُه، ثم رَغِم أنفُه، ثم رَغِم أنفُه))، قيل: مَن يا رسول الله؟ قال: ((مَن أدرَك والدَيْه عند الكبر أحدهما أو كليهما، ثم لم يَدخُل الجنة)).

وحديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله قال: ((إنَّ الله - عزَّ وجلَّ - حرَّم عليكم: عقوق الأمَّهات، ووأد البنات، ومنعًا وهات، وكره لكم: قِيل وقال، وكثرة السُّؤال، وإضاعة المال))؛ (متفق عليه).

وحديث أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله : ((ألاَ أنبِّئكم بأكبر الكبائر؟))، قلنا: بلى يا رسول الله، قال : ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدين))، وكان متَّكِئًا فجلس فقال: ((ألاَ وقول الزور))، فما زال يُكرِّرها حتى قلنا: ليته سكت([8]).

وعن أبي هريرة - رضِي الله عنه - قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، مَن أحقُّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: ((أمُّك))، قال: ثم مَن؟ قال ((ثم أمُّك))، قال: ثم مَن؟ قال: ((ثم أمُّك)) قال: ثم مَن؟ قال: ((أبوك))؛ (متفق عليه).

ومن أقوال الشعراء في ذلك وهي كثيرة جدًّا:

قَضَى اللهُ أَلاَّ تَعْبُدُوا غَيْرَهُ حَتْمَا = فَيَا وَيْحَ شَخْصٍ غَيْرَ خَالِقِهِ أَمَّا

وَأَوْصَاكُمُ بِالْوَالِدَيْنِ فَبَالِغُوا = بِبِرِّهِمَا فَالْأَجْرُ فِي ذَاكَ وَالرَّحْمَا

فَكَمْ  بَذَلاَ مِنْ رَأْفَةٍ وَلَطَافَةٍ = وَكَمْ مَنَحَا وَقْتَ احْتِيَاجِكَ مِنْ نِعْمَا

وَأُمُّكَ كَمْ بَاتَتْ بِثِقْلِكَ تَشْتَكِي = تُوَاصِلُ مِمَّا شَقَّهَا البُؤْسَ وَالغَمَّا

وَفِي الْوَضْعِ كَمْا قَاسَتْ وَعِنْدَ ولاَدِهَا = مَشَقًّا يُذِيبُ الْجِلْدَ وَاللَّحْمَ وَالْعَظْمَا

وَكَمْ سَهَرَتْ وَجْدًا عَلَيْكَ جُفُونُهَا = وَأَكْبَادُهَا لَهْفًا بِجَمْرِ الْأَسَى تُحْمَى

وَكَمْ غَسَلَتْ عَنْكَ الْأَذَى بِيَمِينِهَا = حُنُوًّا وَإِشْفَاقًا وَأَكْثَرَتِ الضَّمَا

فَضَيَّعْتَهَا لَمَّا أَسَنَّتْ جَهَالَةً = وَضِقْتَ بِهَا ذَرْعًا وَذَوَّقْتَهَا سُمَّا

وَبِتَّ قَرِيرَ الْعَيْنِ رَيَّانَ نَاعِمًا = مُكِبًّا عَلَى اللَّذَّاتِ لاَ تَسْمَعُ اللَّوْمَا

وَأُمُّكَ فِي جُوعٍ شَدِيدٍ وَغُرْبَةٍ = تَلِينُ لَهَا مِمَّا بِهَا الصَّخْرَةُ الصَّمَّا

أَهَذَا جَزَاهَا بَعْدَ طُولِ عَنَائِهَا = لَأَنْتَ لَذُو جَهْلٍ وَأَنْتَ إِذًا أَعْمَى

عظم حق الوالدين:

جعَل الله - سبحانه - للوالدَيْن نعمةَ الولادة والتربية الصالحة والعناية التامَّة بالأولاد، والوالدان هما أكبر الخلق وأعظمهم نعمةً على الإنسان بعد رسل الله - تعالى - وقد جعَلَهما الله سببًا لوجوده والعنايَة به منذ الحمل حتى الرجولة؛ لذا جاء الشرعُ الشريف قرآنًا وسنَّة بالبيان الكامل، والأمر الواضح بالإحسان للوالدين، والتنفير الشديد من عقوقهما أو التقصير في حقِّهما.

يقول صاحبُ "الظلال" عند قوله - تعالى -: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء: 23] من سورة الإسراء.

يستَجِيش القرآن الكريم وجدان البرِّ والرحمة في قلوب الأبناء؛ ذلك لأنَّ الحياة وهي متدفِّقة في طريقها بالأحياء لا تُوجِّه اهتمامَهم إلى الوراء إلى الأبوَّة، إلى الحياة المولِّية، إلى الجِيل الذاهب، ومن ثَمَّ تحتاج البنوَّة إلى استِجاشة وجدانها بقوَّة لتنعَطِف إلى الخلف، وتتلفَّت إلى الآباء والأمَّهات.

إنَّ الوالدين يندَفِعان بالفطرة إلى رعايَة الأولاد، إلى التضحية بكلِّ شيءٍ حتى بالذات، وكما تمتصُّ النبتة الخضراء كلَّ غذاء في الحبَّة فإذا هي فتات، ويمتصُّ الفرخ كلَّ غذاء في البيضة فإذا هي قشرة - كذلك يمتصُّ الأولادُ كلَّ رحيقٍ، وكلَّ عافيةٍ، وكلَّ جهد، وكلَّ اهتمام الوالدين، فإذا هما شيخوخة فانِيَة - إن أمهلهما الأجل - وهما مع ذلك سعيدان، فأمَّا الأولاد فسرعان ما ينسون هذا كلَّه، ويندَفِعون بدورهم إلى الأمام، إلى الزوجات والذريَّة... وهكذا تندفع الحياة.

ومن ثَمَّ لا يحتاج الآباء إلى توصِيَةٍ بالأبناء، إنما يحتاج هؤلاء إلى استِجاشة وجدانهم بقوَّة ليذكروا واجب الجيل الذي أنفَقَ رحيقه كلَّه حتى أدرَكَه الجفاف.

وهنا يَجِيء الأمر بالإحسان إلى الوالدين في صورة قَضاءٍ من الله يَحمِل معنى الأمر المؤكَّد بعد الأمر المؤكَّد بعبادة الله (انتهى).

وممَّا يدُلُّ على عظم حقِّ الوالدين وفحش عقوقهما:

أولاً: أنَّ الله - سبحانه - قرَن في مواضع متعدِّدة من كتابه بين الواجب الأوَّل وهو توحيده - عزَّ وجلَّ - وبين الإحسان إلى الوالدين.

ثانيًا: أنَّ الله - سبحانه - امتَدَح من أنبيائِه يحيى وعيسى بسبب ذلك فقال في شأن يحيى: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا [مريم: 14]، وفي شأن عيسى: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا [مريم: 32].

ثالثًا: تعليق الخروج للجِهاد والهجرة على إذنيهما.

رابعًا: أنَّ الله - سبحانه - أمَر بالمعروف في صحبتهما بعد قوله: ﴿فَلَا تُطِعْهُمَا [لقمان: 15]؛ أي: إذا جاهَداك على الشِّرك فلا يُباح عندئذٍ العقوقُ أو فحشُ القول، مع أنَّه لا تجوز طاعتهما في ذلك.

خامسًا: الأمر بالبرِّ للوالدَيْن ولو كانَا كافرَيْن، فلمَّا استَأذَنت أسماءُ بنت أبي بكرٍ في صلة أمِّها الكافِرَة قال لها النبي : ((صِلِي أمَّك))([9]).

سادسًا: أنَّ برَّ الوالدَيْن لا ينقَطِع بموتهما إنما يستمرُّ بالدُّعاء لهما بعد الموت، والعمل بوصيَّتهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرَّحِم التي من طريقهما.

سابعًا: إذا أمَرَا ولدهما بطَلاق زوجته فعليه الامتثال؛ لحديث ابن حبَّان أنَّ رجلاً أتى أبا الدرداء، فقال: إنَّ أبي لم يزَل بي حتى زوَّجني، وإنَّه الآن يَأمُرني بطلاقها، قال: ما لنا بالذي آمُرك أن تعقَّ والديك، ولا بالذي آمُرك أن تطلِّق امرأتك، غير أنَّك إن شئت حدَّثتك بما سمعت من رسول الله سمعته يقول: ((الوالد أوسَط أبواب الجنَّة، فحافِظ على ذلك الباب إن شئتَ أو دَع))، قال: أحسب عطاء قال: فطلقها([10]).

وحديث أبي داود عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كان تحتي امرأةٌ أحبُّها، وكان عمر يكرَهها فقال لي: طلِّقها، فأبيت، فأتى عمر رسول الله فذكَر ذلك له، فقال لي رسول الله : ((طلِّقها))([11]).

ثامنًا: جعل الرضا من الوالدين رضا من الله؛ لحديث الترمذي مرفوعًا: ((رضا الرب من رضا الوالد، وسخط الرب من سخط الوالد))([12]).

وجاء في "موارد الظمآن": رأى ابن عمر - رضي الله عنهما - رجلاً قد حمَل أمَّه على رقبته وهو يطوف بها حول الكعبة فقال: يا ابن عمر، أتُرانِي جزَيْتُها؟ قال: ولا بطلقةٍ واحدة من طلقاتها ولكن أحسنت، والله يثيبك على القليل والكثير ([13]).

وفي "المستطرف" قال رجلٌ لعمر بن الخطاب - رضِي الله عنه -: إنَّ لي أمًّا بلَغ منها الكبر أنها لا تَقضِي حاجتها إلا وظهري لها مطيَّة، فهل أدَّيت حقَّها؟ قال: لا؛ لأنَّها كانت تصنَع بك ذلك وهي تتمنَّى بقاءَك، وأنت تصنَعه وتتمنَّى فراقها.

ثمار برِّ الوالدين

وبرُّ الوالدين له ثمارٌ بالغة عظيمة، فهو:

1 - يعدل ثوابَ الحج والعمرة والجهاد أو يزيد، فتعلَّق الخروج إلى ذلك بإذنَيْهما.

2 - بلوغ نعيم الجنة والنَّجاة من النار.

3 - البرَكَة في العمر والرزق، ونَجابَة الولد.

4 - إجابة الدُّعاء، وجلْب التيسير، وزوال الهم.

5 - مَرضاة الله عن العبد البارِّ بوالدَيْه.

ولقد حافَظ الشَّرْعُ على حرمة والدَيْ غيرك، فإن انتَهكتَ حرمتهما لأحدٍ بسِبابٍ فردَّ عليك فسبَّ والديك، كنتَ أنت السابَّ لوالدَيْك؛ فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله : ((من أكبر الكبائر أن يلعَن الرجل والديه))، قيل: يا رسول الله، كيف يلعن الرجل والديه؟ قال: ((يسبُّ أبا الرجل فيسب أباه، ويسبُّ أمَّه فيسب أمَّه))؛ (متفق عليه).

قال الذهبي في "الكبائر": (موعظة) أيُّها المضيِّع لآكَد الحقوق، المعتاض من بر الوالدين العقوق، الناسي لما يجب عليه، الغافل عمَّا بين يديه، برُّ الوالدين عليك دين، وأنت تتعاطاه باتباع شين، تطلب الجنة بزعمك، وهي تحت أقدام أمِّك، حملتك في بطنها تسعة أشهر كأنَّها تسع حجج، وكابدت عند الوضع ما يُذِيب المُهَج، وأرضعَتْك من ثديِها لبنًا، وأطارت لأجلك وسنًا، وغسلت بيمينها عنك الأذى، وآثرَتْك على نفسها بالغذاء، وصيَّرت حجرتها لك مهدًا، وأنالَتْك إحسانًا ورفدًا، فإنْ أصابَك مرض أو شكاية، أظهرت من الأسف فوق النهاية، وأطالت الحزن والنحيب، وبذلت مالها للطبيب، ولو خُيِّرَتْ بين حياتك وموتها، لطلبت حياتك بأعلى صوتها، هذا وكم عامَلْتَها بسوء الخُلُق مِرارًا، فدعت لك بالتوفيق سرًّا وجهارًا، فلمَّا احتاجَتْ عند الكبر إليك، جعَلْتَها أهون الأشياء عليك، فشبعت وهي جائعة، ورويت وهي قانعة، وقدمت عليها أهلَك وأولادك بالإحسان، وقابلت أياديها بالنِّسيان، وصَعُب لديك أمرها وهو يسير، وطال عليك عمرها وهو قصير، هجرتها ومَن لها سواك تصير.

هذا، ومولاك قد نهاك عن التأفُّف، وعاتبك في حقِّها بعتاب لطيف، ستعاقب في دنياك بعقوق البنين، وفي أخراك بالبُعد عن ربِّ العالمين، يُنادِيك بلسان التوبيخ والتهديد: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [الحج: 10] (انتهى).

وبعد، فما تتَّسِع المجلدات لبيان حقِّ الوالدين، وعظم ثواب البر، وفحش العقوق وسوئه، ولكن نكتفي بذلك القدر.

والآن مع بعض المسائل في العتق وحقوق الوالدين في ذلك.

العتق وحق الوالدين

نعود إلى حديث مسلم، والذي افتتحنا به حديثنا؛ قال النبي : ((لا يَجزِي ولدٌ والدًا إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه)).

حكم الوالد إذا وقَع في ملك ولده:

قال الخطابي: الأبُ يُعتَق على الابن إذا ملكه في الحال، وإنَّما وجهه أنَّه إذا اشتراه فدخل في ملكه عتق عليه، فلمَّا كان الشراء سببًا لعتقه، أضيف العتق إلى عقد الشراء؛ إذ لولده منه ووقوعه به، (انتهى).

وفي حديث سَمُرة بن جندب وابن عمر: أنَّ النبي قال: ((مَن ملك ذا رحم مَحْرَم فهو حرٌّ))([14]).

وقال البغوي: إذا اشترى الرجل أحدًا من آبائه أو أمَّهاته، أو أحدًا من أولاده أو أولاد أولاده، أو ملكه بسببٍ آخر يُعتَق عليه من غير أن ينشئ فيه عتقًا، وقوله: فيعتقه، لم يرد به أنَّ إنشاء الإعتاق شرط، بل أراد به أنَّ الشراء يُخلِّصه من الرق.

حق الوالد في العتق من مال ولده:

إذا كان للولد الحرِّ مالٌ يكفي لعتق أبيه المملوك وجَب عليه أن يشتريه فيعتقه؛ لحديث جابر بن عبدالله - رضِي الله عنهما - أنَّ النبي قال: ((أنت ومالك لأبيك))([15])، ولحديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: ((أنت ومالك لوالدك، إنَّ أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم))([16]).

ولكن اختلف العلماء في غير الوالدين من الأقارب، وإنَّما وقَع الخلاف لأن العباس بن عبدالمطلب وعقيل بن أبي طالب وقَعَا أسيرين يوم بدر، وكان لعلي بن أبي طالب نصيب من مغانم بدر ولم يأمره الرسول بدفع الدية، وقال بعض أهل العلم: إنما ذلك لأنهما كانا على الكفر ولم يكونا على الإسلام؛ أو لعلَّ ذلك لعلمه بالمال الذي ادَّخَره العباس إظهارًا لدلائل نبوَّته، وإقامة للحجة على العباس بذلك.

فضل عتق الرقاب

وعتق الرقبة يعني: تحرير العبد، وقد أطلق الرقبة مع أنَّه يقع على جميع البدن؛ لأنَّ الملك الواقع عليه كالغلِّ في رقبته يَمنعه من التصرُّف كالحرِّ، فإذا أعتق فكأنَّ رقبته أطلقت من ذلك الغلِّ.

وفضل عتق الرقبة ثابت بالقرآن والسنَّة:

يقول - تعالى -: ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ [البلد: 11 - 16].

وفي حديث أبي هريرة - رضِي الله عنه - قال رسول الله : ((أيما رجل أعتَقَ امرأ مسلمًا استنقذ الله بكلِّ عضو منه عضوًا منه من النار))؛ (متفق عليه).

وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - أنَّ النبي قال: ((أيما امرئ مسلم أعتق امرأ مسلمًا كان فكاكَه من النار يجزئ كل عضو منه عضوًا منه، وأيما امرئٍ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكَه من النار يجزئ كل عضو منهما عضوًا منه، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار، يجزئ كل عضو من أعضائها عضوًا من أعضائها))([17]).

عن البراء بن عازب - رضِي الله عنه - قال: جاء أعرابي إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، علِّمني عملاً يُدخِلني الجنة؟ قال: ((إن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة: أعتق النسمة وفك الرقبة))، قال: أليستا واحدة؟ قال: ((لا، عتق النسمة تنفَرِد بعتقها، وفك الرَّقبة أن تعطي في ثمنها))([18]).

والعتق من أفضل القرب إلى الله - تعالى - لذا جعله الله كفَّارة للقتل وغيره، وأفضل الرِّقاب للعتق أنفسها عند أهلها، وأعلاها ثمنًا بعد الوالدين وذوي الأرحام إن كان منهم مملوكًا.

ويسنُّ عتق مَن له كسب من الرقاب، ويستحبُّ مكاتبة مَن له كسب ودين؛ قال - تعالى -: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا [النور: 33]، ويكره عتق مَن لا قوَّة له على الكسب؛ لأنَّ نفقته تسقط عن سيده، فيصبح كَلاًّ على الناس يَحتاج إلى مسألتهم، كما يكره عتق من جرَّ عتقه سوءًا على المسلمين بسرقةٍ أو زنا أو ردَّة أو نظائر ذلك، بل قد يحرم عتقه إذا غلب على الظن المفسَدة الواقعة من عتقه؛ لأنَّ التوسُّل إلى الحرام حرامٌ، والوسائل لها حكم المقاصد.

الولاء والمولى:

"الولاء" عَلاقة تنشَأ بين العبد وسيِّده بعد عِتقه، يكون بها وارثًا له إذا لم تكن له عَصَبَة.

وعرَّفه بعض أهل العلم: "الولاء": ثبوت حكم شرعي يعتق أو تعاطي سببه كاستيلادٍ أو تدبيرٍ، والولاء لا يورث ولكن يورث به.

في "لسان العرب": قال أبو الهيثم: "المولى" على ستة أوجه:

1 - "المولى": ابن العم والعم، والأخ وابن الأخ، والابن، والعصبات كلهم.

2 - و"المولى": الناصر.

3 - و"المولى": الولي الذي يلي عليك أمرك: قال: والرجل ولاء، وقوم ولاء، في معنى ولي وأولياء؛ لأنَّ الولاء مصدر.

4 - و"المولى" مولى الموالاة وهو الذي يسلم على يديك ويواليك.

5 - و"المولى" مولى النعمة، وهو المعتق أنعم على عبده بعتقه.

6 - و"المولى": المُعتَق بالبناء للمجهول؛ لأنه ينزل منزلةَ ابن العم؛ يَجب عليك أن تنصُره وترثه إن مات، ولا إرثَ له، فهذه ستة أوجه.

قال ابن حجر في "هدي الساري"([19]): "المولى" يقع على المولى بالنسب والاسم، منه: الوَلاية بالفتح، وعلى القيِّم بالأمر، والاسم منه الوِلاية بالكسر، وعلى المعتق([20]) من فوق ومن أسفل والاسم منه: الولاء، وعلى الناصر والحليف، وابن العم والعصبة.

قال العيني في "العمدة": "الوَلاء" بفتح الواو مشتقٌّ من الولاية وهي النصرة والمحبة؛ لأن في ولاء العتاقة والموالاة تناصرًا ومحبَّة، أو من الولي وهو القرب، وهي قرابة حكميَّة حاصلة من العِتق أو من الموالاة وهي المتابعة؛ لأن في ولاء العتاقة إرثًا يوالي وجود الشرط، وكذا في ولاء الموالاة، وفي الشرع: هو عبارة عن التناصُر بولاء العتاقة أو بولاء الموالاة، ومن آثاره الإرث والعقل.

ولقد جاء في الحديث: ((الولاء لُحمة كلُحمة النسب))([21]).

وقال ابن العربي: معنى ((الولاء لحمة كلحمة النسب)): أنَّ الله أخرَجَه بالحرية إلى النسب حكمًا، كما أنَّ الأب أخرجه بالنُّطفة إلى الوجود حسًّا؛ لأنَّ العبد كان كالمعدوم في حقِّ الأحكام لا يقضي ولا يلي ولا يشهد، فأخرجه سيِّدُه بالحرية إلى وجود هذه الأحكام من عدمها، فما شابَه حكم النسب أُنِيط بالمعتق، فلذلك جاء: ((إنَّ الولاء لِمَن أعتق))، وألحق برتبة النسب، فنهي عن بيعه وهبته([22]).

عتق الولد لوالده المملوك:

إذا عرفنا نظرة الشرع للولاء، وأنَّه جاء بعَلاقة جديدة ناظَرَتِ النَّسَب، فكان المعتق لعبده صاحب نعمة بمنزلة الوالد، وقد سمَّى الله - سبحانه - مَن أعتق منعمًا على مولاه، فقال - سبحانه -: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ... [الأحزاب: 37]، إذا عرفنا ذلك استَطَعنا أن نفهَم الحديث: ((لا يَجزِي ولدٌ والدًا إلا أن يَجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه)).

نظام الرق في الإسلام مفخرةٌ عظمى ظنَّها الناس نقصًا:

يقول المطيعي في "المجموع": "جفف - أي: الإسلام - مَنابِعَ الرق، ويسَّر مصارفه، وضيَّق مصادره، ووسَّع موارده، وقصره على الحروب وحدَها، وجعَلَه بين المحاربين([23]) فقط لا يَتجاوَز إلى الآمنين ممَّن لم يرفعوا سِلاحًا، ثم نظم العلاقة بين السيد ومولاه، حتى ليتمنَّى الحرُّ مِنَّا أن يكون مولى لأحد هؤلاء النُّبَلاء من حواريي النبوَّة وجنود الرسالة، بل إنَّ الإسلام حين جعَل المرء لا يُحطُّ عنه وزر القسم الحانث إلا بعتق رقبة، ولا تنداح عنه معرَّة الظهارة حين يجعل امرأته كظهر أمِّه إلا بعتق رقبة من قبل أن يَتماسَّا، وجعَل على مَن تعمَّد الطعام في الصوم إعتاق رقبة المؤمن الحق الذي اقتَحَم العقبة هو الذي يفكُّ الرِّقاب العانية ويطعم في المسغبة المساكين الكادحين، وحسبك أنَّ الكتاب الذي يجمع أحكام الرقِّ اسمه كتاب العتق"، (انتهى).

وقد فتَح الإسلام سبلاً للخَلاص من الرق واسعة نذكرها فيما يلي:

1 - قول الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ [البلد: 11 - 13].

العتق كفارة الحنث في اليمين؛ لقوله - سبحانه -: ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المائدة: 89].

3 - العتق كفارة القتل الخطأ؛ لقوله - سبحانه -: ﴿وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [النساء: 92].

4 - العتق كفَّارة الظهار؛ لقوله - سبحانه -: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [المجادلة: 3].

5 - جعَلَه الإسلام من مصارف الزكاة؛ لقوله - تعالى -: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ [التوبة: 60].

6 - المكاتبة؛ لقوله - تعالى -: ﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ [النور: 33].

7 - مَن نذر أن يحرِّر رقبة، وجَب عليه الوفاء بنذره.

من محاسن الدين الإسلامي نظام الرق في الإسلام:

والرق نظامٌ قديم كثير المخالفات، جاء الإسلام فحوَّله إلى نظامٍ تضيقُ العقول النيِّرة عن ابتداع مثله، حتى صار نظام الرق في الإسلام مفخرةً من المفاخر العُظمَى، وقد أشار المطيعي لذلك بقوله: "جفَّف منابعه، ويسَّر مصارفه، وضيَّق مصادرَه، ووسَّع موارده"، فالكافر المحارب للمسلمين وقد شهر السلاح يصدُّ به عن دين الله، فإذا أمكن الله منه فإنَّه ينتقل من مرحلة الدعوة بالسيف إلى مرحلة الدعوة بالرق، فيقوم بالخدمة في مجتمع المسلمين، والخدمة عمل مشروع يقوم به كثيرٌ من الأحرار مع الإحسان في معاملته والرفق به، لدرجة قال المطيعي عنها: "يتمنى الحرُّ منَّا أن يكون مولًى لأحد هؤلاء النُّبَلاء".

وتاريخ الإسلام خيرُ شاهدٍ على ذلك.

في كتاب "سير أعلام النبلاء": "عن الزهري قال لي عبدالملك بن مروان: من أين قدمت؟ قلت: من مكة، قال: فمَن خلفت يسودها؟ قلت: عطاء، قال: أمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي، قال: فبِمَ سادَهم؟ قلت: بالدِّيانة والرِّواية قال: إنَّ أهل الديانة والرواية ينبغي أن يسودوا، فمَن يسود أهلَ اليمن؟ قلت: طاوس، قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي، قال: فمَن يسود أهلَ الشام؟ قلت: مكحول، قال فمِنَ العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي؛ عبدٌ نوبي أعتقَتْه امرأةٌ من هذيل، قال: فمَن يسود أهل الجزيرة؟ قلت: ميمون بن مهران وهو من الموالي، قال: فمَن يسود أهلَ خراسان؟ قلت: الحسن، من الموالي، قال: فمَن يسود أهل الكوفة؟ قلت: إبراهيم النخعي، قال: فمِن العرب أم من الموالي؟ قلت: من العرب، قال: ويلك فرَّجت عنِّي، والله ليسودنَّ الموالي على العرب في هذا البلد حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها، قلت: يا أمير المؤمنين، إنما هو دين، مَن حفظه ساد، ومَن ضيَّعه سقط، (انتهى).

والحكاية وإن كان فيها نكارة([24]) إلا أنها تدلُّ على أنَّ الموالي زاحموا السادة، فقام منهم مَن كان من أهل العلم عملاً بقول الله - تعالى -: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ.

من أعلام الموالي:

أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي التيمي مولى تيم الله بن ثعلبة الكوفي، فارسي الأصل، كان فقيهًا ورعًا متقنًا، لا يقبل جوائز السلطان، يتَّجِر ويتكسَّب، شهد له العلماء بالفقه وجودة الرأي.

الحسن البصري مولى الأنصار كان أبوه مولى لزيد بن ثابت، وأمُّه مولاة لأم سلمة، كان فصيحًا عالِمًا عاملاً شجاعًا.

محمد بن سيرين الأنصاري كان أبوه مولى لأنس بن مالك، من سبي عين التمر، أمُّه صفيَّة مولاة أبي بكر.

زيد بن حارثة حبُّ رسول الله وابنُه أسامة، وأم أسامة مولاة النبي r.

نافع مولى ابن عمر، أصابه ابن عمر في بعض مغازيه، قال عنه ابن عمر: لقد مَنَّ الله علينا بنافع، وهو أثبَت الناس حديثًا عن ابن عمر.

طارق بن زياد مولى موسى بن نصير فتح قرطبة، وهزم الإفرنج، وكان عامَّة جنده من البربر والموالي.

الأعرج (عبدالرحمن بن هرمز) كنيته: أبو داود، مولى ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب.

محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي المطَّلبي مولاهم.

عبدالملك بن جريج مولى الأمويين رومي الأصل.

يعقوب بن عطاء بن أبي رباح مولى لبني قشير.

حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان، أسَرَه خالد بن الوليد في عين التمر، ففقه حتى صار من الرُّواة، وحفظ حتى كان عثمان يوقفه خلفه يفتح عليه في الصلاة.

جميلُ معاملة المسلم للعبد الذي تحت يده:

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ النبي قال: ((قال الله - تعالى -: ثلاثة أنا خصمهم يومَ القيامة، ومَن كنت خصمه خصمته: رجل أُعطِي بي ثم غدر، ورجل باع حُرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره))([25]).

معاملة الرقيق:

يقول الله - تعالى -: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي القُرْبَى وَالْجَارِ الجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء: 36].

وعن أبي ذر - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله : ((هم إخوانكم وخَوَلُكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمَن كان أخوه تحت يده فليُطعِمه ممَّا يأكل، ويلبسه ممَّا يلبس، ولا تكلفوهم ممَّا يغلبهم، فإن كلَّفتموهم فأعينهم))([26]).

ولقد كانت آخِر وصايا النبي وهو على فراش الموت: ((الصلاة، وما ملكت أيمانكم)).

أجر المملوك عند الله:

عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله : ((إنَّ العبد إذا نصَح لسيده وأحسَن عبادة الله؛ فله أجرُه مرَّتين))([27]).

وروى البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله : ((ثلاثةٌ لهم أجران: رجلٌ من أهل الكتاب آمَن بنبيِّه وآمَن بمحمد، والعبد المملوك إذا أدَّى حقَّ الله وحقَّ مواليه، ورجل كانت له أمَةٌ فأدَّبها فأحسَن تأديبها، وعلَّمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوَّجها، فله أجران)).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله : ((للعبد المملوك المصلح أجران))، والذي نفس أبي هريرة بيده لولا الجهادُ في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت([28]) أن أموت وأنا مملوك؛ (متفق عليه).

هذه لمحةٌ عن نظام الرقِّ الذي حرر به العبيد، وجعَل لهم نظام ولاء عوَّضهم الله عن أهليهم وقبائلهم بالإسلام بديلاً، فجعَلَهم يلقون حسن معاملة في حياتهم الدنيا، ويُعوَّضون عن ذلك بالغ الأجر ورفيع الثواب في الآخرة، ويفتح لهم باب الخروج من الرقِّ واسعًا حتى صار منهم - كما قدمنا - السادة والقادة.

والآن نقدِّم كلمات نختَصِرها عن نظام الرقِّ في القديم وفي الحديث عند غير المسلمين.

قال العقاد في كتاب "حقائق الإسلام وأباطيل خصومه": شرع الإسلام العتق ولم يشرع الرق؛ إذ كان الرق مشروعًا قبل الإسلام في القوانين الوضعيَّة والدينيَّة بجميع أنواعه: رق الأسر في الحروب، ورق السبي في غارات القبائل بعضها على بعض، ورق البيع والشراء، ومنه رق الاستدانة أو الوفاء بالديون.

وكانت اليهوديَّة تُبِيحه، ونشَأَت المسيحيَّة وهو مباحٌ فلم تحرِّمه، ولم تنظر إلى تحريمه في المستقبل، وأَمَر بولس الرسولُ العبيدَ بإطاعة سادتهم، كما يُطِيعون السيد المسيح، فقال في رسالة أهل أفسس: أيها العبيد، أطيعوا سادتكم حسب الجسد بخوف ورعدة في بساطة قلوبكم كما للمسيح، ولا بخدمة العين كمَن يُرضي الناس، بل كعبيد المسيح عامِلين مشيئة الله من القلب، خادِمين بنيَّة صالحة كما للرب ليس للناس، عالِمين أنَّه مهما عمل كلُّ واحد من الخير، فذلك يناله من الرب عبدًا كان أم حرًّا.

وأوصى الرسول بطرس بمثل هذه الوصيَّة، وأوجَبَها آباء الكنيسة؛ لأنَّ الرق كفَّارة من ذنوب البشر يؤدِّيها العبيد لما استحقوه من غضب السيد الأعظم.

وأضاف القديسُ الفيلسوف توما الإكويني رأيَ الفلسفة إلى رأي الرؤساء الدينيين، فلم يعتَرِض على الرق بل زكَّاه؛ لأنه على رأي أستاذه أرسطو: حالة من الحالات التي خُلِق عليها بعض الناس بالفطرة الطبيعية، وليس ممَّا يناقض الإيمان أن يقنع الإنسان من الدنيا بأهون نصيب.

ومذهب أرسطو في الرق: أنَّ فريقًا من الناس مخلوقون للعبودية؛ لأنَّهم يعملون عمل الآلات التي يتصرَّف فيها الأحرارُ ذوو الفكر والمشيئة، فهم آلات حيَّة تلحق في عملها بالآلات الجامدة، ويحمد من السادة الذين يستخدمون تلك الآلات الحيَّة أن يتوسَّموا فيها القدرة على الاستقلال والتمييز فيشجِّعوها ويرتقوا بها من منزلة الأداة المسخَّرة إلى منزلة الكائن العاقل الرشيد.

وأستاذ أرسطو - أفلاطون - يَقضِي في جمهوريَّته الفاضلة بحرمان العبيد حقَّ المواطنة وإجبارهم على الطاعة والخضوع للأحرار من سادتهم أو من السادة الغُرَباء، ومَن تطاوَل منهم على سيد غريب أسلمَتْه الدولة إليه؛ ليقتصَّ منه كما يريد.

وقد شرعت الحضارةُ اليونانيَّة نظام الرق العام، كما شرعت نظامَ الرق الخاص أو تسخير العبيد في خدمة البيوت والأفراد، فكان للهياكل في آسيا الصغرى أرقَّاؤها الموقوفون عليها، وكانت عليهم واجبات الخدمة والحراسة، ولم يكن من حقِّهم ولاية أعمال الكهانة والعبادة العامة...

حتى قال: والذي أَباحَه الإسلام من الرقِّ مباحٌ اليوم في أمم الحضارة التي تَعاهَدت على منع الرقيق منذ القرن الثامن عشر إلى الآن؛ لأنَّ الأمم التي اتَّفَقت على معاهدات الرق تُبِيح الأسر، واستِبقاء الأسرى إلى أن يتمَّ الصلحُ بين المتحاربين على تبادُل الأسرى أو التعويض عنهم بالفداء والغرامة.

ثم يقول في آخِر الفصل: إنَّ وصايا الإسلام في مسألة الرقِّ خُولِفت كثيرًا، وكان من مُخالِفيها كثيرٌ من المسلمين، ولكنَّ الإسلام - على الرغم من هذه المخالفات المنكرة - لا يضيره ولا يغضُّ من قضاء التجربة العمليَّة عند الموازنة بين جناية جميع المسلمين على الأرقَّاء، وجناية الآخَرين من أتباع الأديان الكتابية؛ فالقارَّة الإفريقية - في بلاد السود - مفتوحةٌ أمام أبناء السواحل المجاورة لها منذ مئات السنين، ولم تفتح للنخاسين من الغرب إلاَّ بعد اتِّصال الملاحة على ساحل البحر الأطلسي في العالم القديم والعالم الجديد.

وفي أقلَّ من خمسين سنة نقل النخَّاسون الغربيون جموعًا من العبيد السود تبلغ عدَّة الباقين من ذريَّتهم - بعد القتل والاضطهاد - نحو خمسة عشر مليونًا في الأمريكتين، عدد يضارع خمسة أضعاف ضحايا النِّخاسة في القارات الثلاث منذ أكثر من ألف سنة، وهو فارق جسيم بحِساب الأرقام يَكفِي للإبانة عن الهاوية السَّحِيقة في التجرِبة العملية بين النخاستَيْن، ولكنَّه فارق هيِّن إلى جانب الفارق في حظوظ أولئك الضحايا بين العالم القديم والعالم الجديد، فإنَّ الأمريكتَيْن إلى اليوم أمَّة من السود معزولة بأنسابها وحظوظها وحقوقها العمليَّة، وليس في بلدٍ من بلاد الشرق أمَّة من هذا القبيل؛ لأنَّ الأسود الذي ينتقل إليها يحسب من أهلها بعد جيل واحد، له ما لهم وعليه ما عليهم، بغير حاجةٍ إلى حمايةٍ من التشريع إلى نصوص الدساتير، (انتهى كلام العقاد).

قارِن بين نظام الإسلام - أيُّها اللَّبيب - وبين النُّظُم المعاصرة، أوجَد الإسلام للرق عتقًا، وأوجَدت الحضارة الحديثة للأحرار رقًّا مع الدَّعاوى العريضة بحقوق الإنسان انتَهكوها، وبحريَّة لفرد استعبَدوه؛ لأنها المناهج الباطلة تتحكَّم، والأهواء والآراء تقضي وتحكُم، ولا تزال أمريكا إلى اليوم دولة التقدُّم يُعانِي فيها المسلمون ما يضيق المقام عن وصفه، فالإسلام دين الله يحلُّ المعضلات ويُزِيل المشكلات، ويرسي قواعد العدل والإخاء؛ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات: 13].

ففي مجتمع الإسلام علاجٌ لعثرات الناس ورفع لكبواتهم، فإذا غاب عن إنسان نسبُه أو انخَلَع من قومه لإسلامٍ بعد كفر، فإنَّ الإسلام يسعه برحابة صدر وجميل استقبال، فلا ينبذه أو يعزله في ملجأ يخرج [منه.ت.أ] يحقد على الناس من حوله، إنَّما يجعَله له الولاء في الإسلام حتى قال النبي : ((مولى القوم من أنفسهم))([29])، وساواه مع ابن الأخت في حديثه فقال: ((ابن أخت القوم من أنفسهم))([30]).

ولاء الإسلام:

مجتمع المسلمين يجعل أهله كُلاًّ على مَن عاداهم، ويسعى بذمَّتهم أدناهم؛ لذا فإنَّه يجعل مَن أسلم على يدي رجل من المسلمين فهو أولى الناس به، ليس ولاء الميراث إنَّما ولاء النصرة.

وفي ولاء الإسلام: حديث تميم الداري الذي علقه البخاري([31])، ووصله غيره، أن تميمًا الداري قال: يا رسول الله، ما السنة في الرجل يسلم على يدي الرجل من المسلمين؟ فقال: ((هو أولى الناس بمحياه ومماته)).

نقل ابن حجر في "الفتح" عن ابن بطَّال قال: لو صحَّ الحديث لكان تأويله أنَّه أحقُّ الناس بموالاته في النصر والإعانة والصلاة عليه إذا مات ونحو ذلك.

ولاء اللقيط:

يقول - سبحانه -: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب: 5].

كان الرجل في الجاهليَّة إذا أعجَبَه الرجل ضمَّه إلى نفسه، وجعَل له نصيبَ الذكر من أولاده، وكان ينسب إليه فيقال: فلان بن فلان، فجاء الإسلام بنسخ ذلك؛ فأمَر أن يدعو إلى آبائهم إذا كانوا معروفين، فإن لم يكن له أبٌ معروف نسبوه إلى ولائه، فإن لم يكن له ولاء معروف قال له: يا أخي، يعني: في الدين؛ لقوله - تعالى -: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10]، فيُقال: فلان أخو بني فلان.

يقول ابن كثير: أمَر - تعالى - بردِّ أنساب الأدعياء إلى آبائهم إن عرفوا، فإن لم يعرفوا آباءهم فهم إخوانهم في الدين ومواليهم؛ أي: عوضًا عمَّا فاتهم من النسب؛ ولهذا قال رسول الله لزيد بن حارثة: ((أنت أخونا ومولانا)).

أخرج الطبراني في "تفسيره بسنده إلى عيينة بن عبدالرحمن، عن أبيه قال: قال أبو بكرة: قال الله: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ [الأحزاب: 5]، فأنا ممَّن لا يعرف أبوه، وأنا من إخوانكم في الدين، قال: قال أبي: والله إني أظنُّه لو علم أنَّ أباه كان حمارًا لانتمى إليه([32]).

وفي "سيرة ابن هشام": "كان أبو مليح بن عروة وقارب بن الأسود قَدِمَا على رسول الله قبل وفد ثقيف حين قُتِل عروة يريدان فراق ثقيف، وألاَّ يجامعاهم على شيء أبدًا فأسلَمَا، فقال لهما رسول الله : ((توليا مَن شئتما))، فقالا: نتولَّى الله ورسوله، فقال رسولُ الله  : ((وخالكما أبا سفيان بن حرب))، فقالا: وخالنا أبا سفيان بن حرب".

وبعدُ فهذه الجولة التي طَالَتْ وتناوَلَتْ موضوعات مهمَّة ومسائل جليلة في بر الوالدين، ثم حكم الرقيق، والعتق في السلام، وكان للموضوع استِطرادٌ ظهر فيه - على سرعةِ التناوُل - جمالُ الإسلام؛ فهو الوعاء الحقيقي للإنسانية يزيل عنها أخطاءها، ويرفَع عنها آصارها، ويَحنو عليها عند ضعفها؛ ليأخذ بيدها، ولا عَجَبَ فالإسلام دينُ الله الخالق، ودين الله الذي أعطَى كلَّ شيء خلَقَه ثم هدى، دين الله الذي يأخذ بالإنسان في كبوته؛ ليُخرِجه منها جوادًا شُجاعًا كريمًا، فإن كبَا العبد فحارَب الإسلام فوقَع رقيقًا رفق به فأحسن إليه المعاملة، وفتح له أبواب التعلُّم، ثم أبواب التعبُّد، ووعَدَه أجزلَ الوعود في الآخِرة بمضاعفة الثواب، ثم فتَح له أبواب الخلاص من الرقِّ في الدنيا في شريعة الإسلام.

وكذلك إن خرج عبدٌ من كبوةٍ لا ذنبَ له فيها فوجد لقيطًا لا يدري مَن والده، أو لا يدري مَن أبوه، فالإسلام نسبُه وولاؤه، والمسلمون إخوانه؛ ﴿فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ [الأحزاب: 5].

وليت القانون عندنا ينتَبِه إلى هذه فيجعل مَن أراد أن يُسمِّي مولودًا لقيطًا لم يجد له من أهلٍ يُعرَفون أن يختار له ولاء عوضًا له عن نسَبِه، فيُقال: فلان مولى فلان، أو كلمة نحوها ممَّا أقرَّ عليه الإسلام.

وكذلك إذا لجأ الكافر للإسلام أسمعه كلام الله ثم أبلغه مأمنه، فإذا دخَل في الإسلام وجَد له في الإسلام ولاء يَكفِيه عن عشيرته، ويأخذ بيده فيصير لهم أخًا.

ولا حاجةَ بنا إلى المقارنة مع الأنظِمَة المعاصرة للأمم الكافرة، فكم استعبدت أحرارًا عددهم بالملايين، ثم جعلَتْهُم بين الناس منبوذين، وحرمتهم وظائف وأماكن من أرض الله خالقهم فضلاً عن مخاطبتهم، فإذا حارَبت أسرت من المحاربين، فمعسكرات الأسرى حدِّث عن التعذيب فيها ولا حرج، ثم تدَّعي أنها حضارة وحديثة.

فالحمد لله على نعمةِ الإسلام وكفى بها نعمة تأخذ بالعبد لتَرفَع شأنه في الدنيا والآخرة.

تلك لمحاتٌ عن صفحة مُضِيئة من صفحات الإسلام الذي ندعو الله أن تُشرِق علينا شمسُه من جديد وأن تختَفِي عنا كلُّ عيوب المخالفة له، والخروج عن شرعه... آمين آمين.



[1] هذه المقدمة مستلَّة من افتتاحية كتَبَها الشيخ - رحمه الله - في "مجلة التوحيد" في عام 1417 هـ، وهي بحقٍّ مقدمة مهمَّة ودعامة عامَّة في بناء البيت المسلم، فبالإيمان يبرُّ الولد أمَّه وأباه، وزوجه وأخاه، فكما أنَّه لا يجتمع كفرٌ وإيمان كذلك لا يجتمع عقوقٌ مع إحسان.

([2]) مسلم (1510).

([3]) هو عبدالرحمن بن صخر الصحابي الفقيه المجتهد الحافظ أكثر الصحابة روايةً، وقد روى عنه ثمانمائة من أصحابه، أسلم وقدم على النبي r سنة سبع عام خيبر ومات سنة 59 للهجرة، فلزم رسول الله r أربع سنين يتعلَّم لم يُفارِقه في حضرٍ ولا سفرٍ، وقد قال عن نفسه: تزعمون أنِّي أُكثِر الروايةَ عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم، والله الموعد - إنِّي كنتُ امرأً مسكينًا أصحَب رسول الله r على ملءِ بطني، وأنَّه حدَّثنا يومًا: ((ومَن يبسط ثوبه حتى أقضي مقالتي ثم قبَضَه إليه لم ينسى شيئًا سمع منِّي أبدًا؟))، ففعلت، فوالذي بعَثَه بالحقِّ ما نسيتُ شيئًا سمعته منه، وكان يقول: إنَّ إخواني المهاجرين كان يشغَلهم الصفق بالأسواق، وكان إخواني من الأنصار يشغَلهم عملُ أموالهم وكنت امرأً مسكينًا من مساكين الصفَّة، ألزَم رسول الله r على ملءِ بطني، فأحضر حين يَغِيبون، وأوعى حين ينسون، وجاء في البخاري من قول أبي هريرة - رضِي الله عنه -: ما أحدٌ من أصحاب رسول الله r أكثر حديثًا مِنِّي عنه إلاَّ ما كان من عبدالله بن عمرو؛ فإنه كان يكتب وكنت لا أكتب.

ولقد أقعد مروان كاتبه خلف السرير يكتب وأبو هريرة يحدِّث، فلمَّا كان رأس الحول دعا به فأقعَدَه من وراء حجاب فجعَل يسأله عن ذلك الكتاب فما زاد ولا نقص، ولا قدم ولا أخَّر، قال الإمام الذهبي عقب هذه الحكاية: "هكذا يكون حفظ"، وعن مكحول قال: تَواعَد الناس ليلةً في قبَّة من قِباب معاوية فاجتمعوا فيها، فقام فيهم أبو هريرة يحدِّثهم عن رسول الله r حتى أصبح وقد دعا رسول الله r لأمِّه فأسلمت ودعا أن يحبِّبهما الله للمؤمنين، قال أبو هريرة - رضِي الله عنه -: فما خلَق الله من مؤمنٍ يسمع بي ولا يراني أو يرى أمي إلا هو يحبُّني.

قال ابن كثير في "البداية والنهاية": وهذا من دلائل نبوَّته r فإنَّ أبا هريرة محبَّب إلى جميع الناس.

قلت: وهذا أيضًا دليلُ ضلال مَن يُبغِضونه من الشيعة ومَن وافقهم على ذلك، ويقول ابن كثير: ولقد كان أبو هريرة - رضِي الله عنه - من الصدق والحفظ والدِّيانة والعبادة والزهادة والعمل الصالح على جانبٍ عظيم؛ كان يقوم ثلث الليل وامرأته ثلثه وابنته ثلثه، يقوم هذا ثم يوقظ هذا، وكان يقسم الليل ثلاثةَ أقسام: جزء لقراءة القرآن، وجزء لنومه، وجزء يتذاكر فيه حديث رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.

وكان له مسجد في مخدعه، ومسجد في بيته، ومسجد في حجرته، ومسجد عند باب داره إذا خرَج صلى فيها جميعًا، وإذا دخَل صلى فيها جميعًا، وكان له في كلِّ يوم صيحتان أوَّل النهار صيحة يقول فيها: ذهب الليلُ وجاء النهارُ وعرض آل فرعون على النار، وإذا كان العشي يقول: ذهب النهار وجاء الليل، وعرض آل فرعون على النار، فلا يسمع أحدٌ صوته إلا استعاذ بالله من النار.

انظر: "البداية والنهاية" ج 8، "سير أعلام النبلاء" ج 2.

([4]) البخاري (527).

([5]) أبو داود (5142).

([6]) أخرجه أبو داود (2528) والنسائي (7/ 143).

([7]) مسلم (2551).

([8]) أخرجه البخاري (2654) ومسلم (87).

([9]) متفق عليه، أخرجه البخاري (رقم 262....)، ومسلم (1003/ 49، 50)، من حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما.

([10]) صحيح. أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (425 - الإحسان) وقد أخرجه أيضا: أحمد، والترمذي، وابن ماجه، والحميدي، والطيالسي، والحاكم وغيرهم، وانظر: "الصحيحة" (رقم 913).

([11]) حسن، أخرجه أبو داود (رقم 5138) والترمذي (رقم 1189) وصحَّحه، وابن ماجه (رقم 2088)، وابن حبان وغيرهم، وانظر: "الصحيحة" (رقم 918).

([12]) صحيح، أخرجه الترمذي (1899)، وابن حبان، والحسن بن سفيان، وغيرهم من حديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - وانظر: "الصحيحة" (رقم 516).

([13]) أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" رقم 11، وابن المبارك في "البر والصلة"، والبيهقي في "الشعب" (رقم 7926) وغيرهم، وانظر رسالة "بر الوالدين"؛ للإمام أبي بكر الطرطوشي، وكذلك "بر الوالدين"؛ لأبي الفرج ابن الجوزي.

([14]) صحيح، أبو داود (3949) والترمذي (1365)، وابن ماجه (2524) وغيرهم عن سمرة، وانظر: "الإرواء" (1746).

([15]) صحيح، ورد من حديث جابر وابن عمر وابن مسعود وعائشة وابن عمر وأبي بكر وأنس وعمر - رضِي الله عنهم - وانظر: "الإرواء" (838).

([16]) صحيح، أبو داود (3530)، وابن ماجه (2292) عن ابن عمرو - رضِي الله عنهما - وانظر: "أحكام الجنائز" (170).

([17]) صحيح: أحمد (4/ 113) وغيره بسند صحيح، وانظر: "الصحيحة" (1756).

([18]) صحيح، أحمد (4/ 299) وغيره، وإسناده صحيح كما في "تخريج المشكاة" (3384).

([19]) "هدي الساري" ص 218.

([20]) المعتق من فوق هو السيد المالك، ومن أسفل هو العبد المملوك الذي وقع عليه العتق.

([21]) حديث صحيح وراجع طرقه في "الإرواء" (1668).

([22]) "فتح الباري" ج 12 ص 46.

[23] أي: الحرب بين المسلمين والكفَّار، فلا يجوز الاسترقاق في حرب البغاة من المسلمين.

([24]) قال الإمام الذهبي في "السير" (5/ 85) الحكاية منكرة، والوليد بن محمد واهٍ، فلعلَّها تمَّت للزهري مع أحد أولاد عبدالملك.

قلت: وقد عقَد الخطيب البغدادي - رحمه الله - فصلاً في كتابه "الفقيه والمتفقه" (1/ 139) بعنوان: ذكر مَن ارتفع من العبيد بالتفقُّه حتى جلس مجالس الملوك، فانظره فإنه رائق يعضِّد السابق.

([25]) رواه البخاري رقم (2227 - 2270) من حديث أبي هريرة - رضِي الله عنه.

([26]) متفق عليه.

([27]) متفق عليه.

([28]) قارِن بين قول أبي هريرة - رضِي الله عنه - وقول المطيعي في أمنيَّته؛ لعلَّك تجد وجهًا للشبه بينهما.

([29]) رواه البخاري رقم (6761) من حديث أنس - رضِي الله عنه.

([30]) رواه البخاري رقم (6762) من حديث أنس - رضِي الله عنه.

([31]) "الفتح" 12 / 46 قبل رقم 6757، ومرَّضه البخاري، فقال: ويُذكَر عن تميم... ثم قال: واختلفوا في صحَّة هذا الخبر، وقال الحافظ في "الشرح": وقد وصَلَه البخاري في "تاريخه"، وأبو داود، وابن أبي عاصم، والطبراني والباغندي.

قال الشافعي: هذا الحديث ليس بثابت، وقال الخطابي: ضعَّف أحمد هذا الحديث، وقال الترمذي: ليس إسناده متَّصِل، وقال المنذر[ابن المنذر.ت.أ]: هذا الحديث مضطرب، وصحَّح هذا الحديث: أبو زرعة الدمشقي، وقال: هو حديث حسن المخرج متَّصِل، وإلى ذلك أشار البخاري بقوله: واختلفوا في صحَّة هذا الخبر، وجزَم في "التاريخ" بأنَّه لا يصحُّ؛ لمعارَضته حديث: ((إنما الولاء لِمَن أعتق))، ويُؤخَذ منه أنَّه لو صحَّ سنده لما قاوَم هذا الحديث، ا.هـ بتصرُّف، وراجِع قوله هناك في الجمع بين الحديثين.

([32]) الطبري (21 / 121).

========================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج10. الادب المفرد للبخاري {من1182 الي1322 }

  ج10. الادب المفرد للبخاري {من 1182 الي 1322  }   المحتويات المقدمة باب الاحتباء باب من برك على ركبتيه باب الاستلقاء باب الضجعة...